“مع مرور الوقت بدأت أشعر بأن هناك شيئًا خاطئًا في علاقتنا وكل يوم كان يقل اهتمامه بي جنسيًا وعاطفيًا ويتجنب المناقشة عندما أحاول الحديث معه حول هذا الأمر، وهذا كان يشعرني بالضيق أكثر، حينها أحسست بالإهمال والرفض حتى بدأت اشكك في جاذبيتي وجاذبية علاقتنا”
بهذه الكلمات والشعور تصف “سميرة علي” (أسم مستعار) علاقتها مع زوجها التي كانت تتدهور يومًا بعد آخر بسبب إدمان زوجها للإباحيات على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أودى بمستقبل علاقتهم التي انتهت بالطلاق بعد أربع سنوات من زواجهم.
إدمان الاباحيات من أخطر الأنواع الذي قد يتعرض له الفرد في حياته وهو أحد أنواع الإدمان الجنسي عند مشاهدة الأفلام الإباحية التي انتشرت بكثرة على مواقع الإنترنت وخاصة في الأعوام الأخيرة.
فإدمان المولد الإباحية يعد سلوكًا سيئًا في حال استمر الانسان على متابعته بشكل يومي ولفترات طويلة وفي هذه الحالة يصبح الشخص مدمنًا ويتأثر جسديا ونفسيا واجتماعيا بسبب ذلك، حيث يضعف مستوى التركيز لديه بنسبة كبيرة ويصاب بالإنهاك والضعف العام في ممارسة مهامه اليومية إضافة إلى كثرة التخيلات وصعوبة في النوم ويكون كثير الشرود وغير قادر على التفكير بوضوح، ويفضل المدمن الوحدة والانعزال وقلة المشاركة حسب قول “أمين دحلة” أستاذ علم الاجتماع بجامعة الضالع
كوكائين
ويعرف الدكتور “عبدالإله جابر” اخصائي علم النفس الإدمان الجنسي بأنه حالة من الإدمان النفسي وقضاء وقت أطول في مشاهدة النشاط الجنسي على مواقع التواصل الاجتماعي، ويصف “جابر” هذه الحالة بالتعلق القهري وهي متعة زائفة وخادعة توحي المدمن أنها تخفف من التوتر الجنسي ولكنها في الحقيقة تفضي إلى الإدمان والتعود، ويؤدي هذا الأمر إلى فتور وانخفاض في المتعة الجنسية بين الزوجين على أرض الواقع، ويرجع هذا الأمر إلى زيادة حجم الافرازات الكيماوية التي يفرزها الدماغ عند المشاهدة “الدوبامين” (الدوبامين هو هرمون يفرز من الدماغ ويساعد في زيادة حجم الشعور والنشوة عند ممارسة الجنس أو في جميع حالات السعادة التي يعيش الفرد) حيث يفرز بكمية كبيرة جدًا وهذا يؤدي إلى زيادة النشوة والمتعة اللحظية، وإدمان الإباحيات يسمى ب “كوكائين الواقع الافتراضي” حسب ما وصفه الدكتور عبدالإله جابر.
صورة مبالغة
ينغمس الشخص في مشاهدة تلك الإباحيات ويعتقد أنه يتسلى فقط ويفرغ شهوته ولكن في الحقيقة يقوم الدماغ بالربط بين تلك المشاهد التي تحدث امامه ومشاعر الإثارة لديه مما يؤدي إلى تغيير في دماغ المدمن عند الاستخدام مع مرور الزمن حسب ما تؤكده دكتورة الصحة النفسية “هدى الواقد”.
وتضيف أنه عند تفاعل الدماغ مع كمية الدوبامين المفرزة بشكل كبير والتي يحصل عليها الشخص عند مشاهدة الاباحيات لن يستطيع أن يتفاعل مع الواقع أو العلاقة الزوجية بشكل طبيعي، وذلك بسبب أن ما يقدم في تلك الأفلام الإباحية يكون معدًا بشكل خيالي ومبالغًا فيه من خلال (الوضعيات، الفترة الزمنية للجماع، وكذلك المؤثرات الصوتية المبالغ فيها) وهذا قد لا يجده الشخص في العلاقة الزوجية.
تحقير وعنف
الأمر ينطبق على “أحمد” (أسم مستعار) والذي يقول في البداية كانت مشاهدة الاباحيات أمرًا اختياريًا وفي حدود معقولة، ولكن مع مرور الزمن أصبح الأمر إدمانًا حقيقيًا، وبدأت أقضي ساعات طويلة في مشاهدة تلك المواد على حساب علاقتي الزوجية، وشعرت أنني أخون زوجتي بطريقة قذرة ولكن كنت عاجزًا عن التوقف.
إن عقل المشاهد سرعان ما يصبح مدمنًا على متابعة هذه الاباحيات باستمرار ويجد صعوبة بالغة في الإقلاع عنها وهذا ينعكس سلبًا على العلاقة بين الزوجين حسب قول “هدى” وتضيف أنه قد يصل الأمر إلى تحقير صورة المرأة من وجهة نظر الرجل المدمن إضافة إلى أنه قد يمارس العنف الجسدي معها أو أنه ينظر إليها باشمئزاز او على أنها غير جذابة ولا يجد الراحة في التفاعل والتعايش معها، بسبب الصورة المبالغ فيها في تلك الأفلام وهذا الأمر قد يؤدي في النهاية إلى الطلاق بين الزوجين أو طلب الخلع من الطرف الآخر.
فتور وتبلد
ويؤكد ذلك “أحمد” الذي يقول في أحد الأيام اكتشفت زوجتي أنني أشاهد الاباحيات، في بداية الأمر حاولت جاهده مساعدتي على التوقف وحاولت الاقتراب مني أكثر لعلي أخرج من دائرة الإدمان، ولكنني كنت أفشل مرارًا وتكرارًا وهذا الأمر زاد من حزنها حتى شعرت أنها بدأت تكرهني وكنت ألاحظ الإهمال والإهانة منها، إلا أنها في النهاية طلبت الطلاق ولم أكن مستعدًا لفعل ذلك، فأنا أحتاج لمن يقف بجانبي، ويضيف أنه في تلك اللحظة أدرك أنه وقع في خسارة لا يمكن تعويضها بسبب عدم قدرته في السيطرة على نفسه.
ويقول “دحله” العلاقات الزوجية تتأثر بشدة لدى مدمني الإباحية بعكس ما يعتقده المدمن بأنها محفزة للعلاقة بين الشريكين إلا أنها تصيب العلاقات فيما بينهم بالفتور والتبلد على المدى البعيد، كما أن كثرة المقارنات بين ما يعيشه المدمن وما يشاهده يجعله كثير التوتر ومثير للمشاكل مع شريكه، ويفضل المدمن أن يقضي وقتًا طويلًا جدا مع ما يشاهده وهذا يؤثر على مستوى التواصل مع الشريك بشكل كبير جدا وتساهم في زيادة الفجوة بينهما.
مسبب للطلاق
ما أن يصيب العلاقة البرود أو انعدام المشاعر والرغبة بين الطرفين حتى ينتهي الأمر بالطلاق أو طلب الخلع، حيث يقول المحامي “عبدالله البكيري” أن حالات الطلاق تزداد يومًا بعد آخر، ومن بينها حالات الطلاق بسبب إدمان الاباحيات وهذا يرجع إلى عدم قدرة الشخص على الإقلاع عن مشاهدة الاباحيات قبل الزواج والدخول في مرحلة التعافي حتى لا يقع الشخص في تجربة فاشلة قد يفسد بها حياة شخص آخر.
ويضيف أن الإباحيات سبب رئيسي للطلاق في بعض الأحيان نتيجة اختلاف التوقعات بين الطرفين والصدمة الواقعية للعلاقات، وكذلك بسبب عدم التواصل الجنسي نتيجة ميل أحد الطرفين لمشاهدة الإباحية بدلًا عن ذلك، ويؤكد البكيري أنه لا توجد إحصائية رسمية أو تقريبية لعدد حالات الطلاق والخلع بسبب الإدمان، ويرجع ذلك إلى التحفظ عن الإفصاح للسبب الحقيقي للطلاق عند الامتثال أمام المحكمة.
الوعي والتأهيل
يقول “دحلة” إذا أطلقنا على شخص ما أنه مدمن للإباحية فهذا يعني حرفيا أنه يحتاج الى جلسات علاج تأهيلية مع مختص نفسي حتى يتمكن من التحرر، كما أن زيادة الوعي ونشر المعلومات حول ماهية الإباحية وكيف يتم الاستفادة منها ماديا من قبل القائمين عليها وأنها مجرد صناعة لا أكثر، هذا يساعد المدمنين على فهم مخاطرها والبدء في الاقلاع عنها بالتزامن مع الجلسات العلاجية.
ويوكد أن التوعية بالمخاطر الجسدية والصحية والنفسية تلعب دورًا مهمًا في الوقاية من الانخراط في متابعة المشاهد الإباحية، ومن الافضل أن تكون هناك جلسات منظمة مع مختلف الفئات العمرية والنوع الاجتماعي.
عيب اجتماعي
وفقًا لقيم المجتمع الدينية والأخلاقية فإن هذه الظاهرة تواجه بالعديد من الخيارات المضادة الجماعية كالإقصاء للأفراد المنخرطين فيها، وبعض الأحيان بالتوعية والإرشاد بأنها ظاهرة خاطئة، إلا أن هناك نوع من التسامح أيضا على اعتبار أنها خطأ يمكن إصلاحه، ولا توجد هناك عدائية واضحة أو تجريم قانوني أو اجتماعي يترتب عليه قيام المجتمع بتنفيذ قرارات عرفية، ويمكن القول أنها تندرج ضمن العيب الاجتماعي فقط حسب قول “دحله”.
في الحقيقة أن الظاهرة منتشرة وبكثرة ويشاهدها شريحة كبيرة من أفراد المجتمع ذكورًا وإناثًا من مختلف الأعمار خاصة مع سهولة الوصول إلى المواقع التي تروج لها ومع توفر وسائل المشاهدة الخاصة كأجهزة الهاتف المحمول، ولا يوجد إفصاح من هؤلاء الأفراد بسبب الخوف من عوامل الانتقاص والعيب الاجتماعية ومن ردود أفعال المرشدين والوعاظ، كما إن السرية في ممارسة هذه الظاهرة تعد من أهم السمات البارزة لها بسبب الثقافة العامة والتربية التي نشأ عليها الأفراد ولأن القانون اليمني لا يبيح نشر هذه السلوكيات ولا يجيز الحرية الفردية في ممارستها أو الترويج لها.
لكن مع قلة الوعي حول آثارها السلبية على الفرد فيمكن أن تزداد في الانتشار لدى الأجيال القادمة التي ستكون قادرة على الوصول إلى مواقع الترويج والنشر لهذه الظاهرة بشكل أسهل.
الملف الشخصي للكاتب
- كاتب وصحفي - خريج كلية الإعلام
آخر مقالاته
- تقريريوليو 14, 2024الشضوية… وجبة اليمنيين الربيعية
- آراء وتحليلاتيوليو 14, 2024ترشح للعديد من الجوائز العربية “سطل” وإعادة الحياة لمباني صنعاء
- تقريريوليو 14, 2024بسبب النقل والتخزين الرديء أشعة الشمس تسرق غذاء اليمنيين
- تحقيقيوليو 14, 2024بضائع وهمية وخسائر حقيقية.. البحث عن الصفقات الرابحة في مصيدة الاحتيال الإلكتروني