“علبة مشروب الطاقة بمئة، أربع تونة بألف، أربع تونة بألف” بهذه الكلمات التي تصدر من مكبرات الصوت لأصحاب البسطات وباعة المواد الغذائية المقاربة على الانتهاء أو المنتهية يحاول الباعة إغراء المارة لشراء تلك البضائع، حيث تعج بهم الأسواق منذ الصباح الباكر وحتى غروب الشمس، ويتزاحم عليهم العديد من المارة المشتريين من ذوي الدخل المنخفض، من تقطعت بهم السبل لتوفير تلك المواد من البقالة “السوبر ماركت” بسعرها الرسمي والذي يزيد على سعر البسطات بما يقارب 40_60%.
في السنوات الأخيرة تزايدت ظاهرة بيع المنتجات المنتهية والمقاربة على الانتهاء في أسواق العاصمة صنعاء بكميات كبيرة وبأصناف متعددة، والتي تباع للمستهلكين بأسعار زهيدة جدًا قد تصل إلى النصف او اقل من ذلك،
يوماً بعد آخر تكتظ شوارع العاصمة اليمنية صنعاء بالبسطات والباعة المتجولين التي تبيع المواد الغذائية منتهية الصلاحية أو التي شارفت على الانتهاء بفترة لا تتجاوز شهرًا واحدًا وبأصناف متعددة ومختلفة وذات سعر متدني ومربح للطبقة الفقيرة.
سوء التخزين والعرض
على مدخل سوق السنينة في العاصمة صنعاء يفترش أحمد عبدالله بسطته على جانب الشارع في صورة تدل على التخلف واللاوعي وعدم المبالاة بصحة المواطن حيث يضع احمد تلك المواد تحت طربال رفيع لا يعزلها عن حرارة الشمس، ومعرضة للأتربة وعوادم السيارات مما يضاعف خطورتها على صحة المستهلك.
يقول أحمد “لنقاط” من أحد الاسباب التي أدت إلى انتشار هذه المواد بصورة كبيرة هو سعرها المنخفض والوضع الاقتصادي المتدني لدى عامة الشعب نتيجة الحرب المستمرة منذ ثمانية أعوام.
وعن كيفية الحصول عليها يضيف أحمد: في بعض الأحيان تتكدس البضائع في مخازن التجار في كل من نقم وشعوب حتى تقارب على الانتهاء فيضطر التجار لبيعها وتصريفها بسعر رمزي يقارب 20% من سعر المنتج وهو بحالته الجيدة، وكذلك في محاولة منهم للتهرب من عمليات الاتلاف الصحيحة التي غالبًا ما تكون مكلفة على التجار من خلال عملية النقل إلى مناطق بعيدة حرصًا على سلامة السكان.
يبيعون الموت
برغم انتشارها الواسع والاقبال الكبير على شرائها إلا أن أغلب المواطنين يجهلون حجم الخطر والضرر في هذه المواد، ومن تلك المخاطر تليف الكبد نتيجة عملية الأيض ومحاولة التخلص من السموم التي تنتج بسبب تفاعل الشمس مع المواد الحافظة حتى وإن كانت بنسبة بسيطة حسب ما أكده الدكتور مجاهد الجوفي ويضيف: أن هناك مضاعفات آنية مثل الاسهال والقيء ومزمنة مثل تليف الكبد أو أمراض الكلى بسبب عملية التنقية التي تحدث داخل جسم الإنسان.
وسط غياب تام من الجهات المختصة حول النزول الميداني ومراقبة الأسواق للتأكد من سلامة المواد التي تباع، يجد تجار الجملة طريقًا متسعًا أمامهم لتصريف منتجاتهم هربًا وخوفًا من الخسائر.
حسين أحد التجار في منطقة شعوب يقول “لنقاط” نحن نلجأ لهذه الطريقة للهروب من تكبد الخسائر جراء عملية الاتلاف ولكن نقوم ببيعها بنسبة بسيطة جدًا أفضل من الخسارة، وعن سلامة المستهلك يؤكد حسين أن مسؤولية التاجر تنتهي بمجرد خروج البضاعة من المحل وأن الأمر يعود على من يقوم بعملية البيع والشراء وكذلك المستهلك هو أدرى بصحته من الجميع.
أسعار مناسبة
زايد شاب عشريني يقول “لنِقاط” يوميًا بعد العودة من الدوام أذهب إلى سوق الجبلي لشراء القات ثم أذهب إلى تلك البسطات لشراء ما احتاج من مشروبات الطاقة والزنجبيل بتكلفة بسيطة تصل إلى ثلاثمئة ريال وسعرها الرسمي في البقالة ألف ريال ويؤكد أن السبب الرئيسي وراء تردده على هذه الأماكن يوميًا هو رخص ثمنها الذي يناسب وضعه المادي وعن خطورتها الممكنة يضيف: أن هذا الامر لا يهمه وكل ما في الأمر هو توفير المال حيث ظل يتناول ذلك ما يقارب الأربعة اعوام ولم يصب بأي مكروه حتى الآن.
الأمر لا يختلف مع الأم “منال أحمد” أم لثلاثة أطفال تسكن في منطقة الحصبة وتؤكد أنها تقتني هذه المواد منذ ما يقارب عام وتقول: كل احتياجات منزلي اشتريها من هذه الأماكن بأسعار بسيطة حتى أوفر على زوجي الذي يعمل في إحدى مزارع صعدة براتب شهري بالكاد يفي بإيجار المنزل والمواد الأساسية، كل أسبوع أذهب إلى هذه البسطات وأشتري احتياجات المنزل ولكنني أحرص على أن تكون من المواد المقاربة على الانتهاء وليست منتهية بشكل كامل وهذا يعطيني أريحية قليلة حول التخفيف من المخاطر الممكنة.
تسمم غذائي
في منطقة حزيز جنوب العاصمة صنعاء أُسعف الشاب عبدالله إبراهيم إلى مستشفى الطاهر في أكتوبر الماضي بعد أن تعرض لنوبة إسهال حاد كان من الممكن أن تودي بحياته ويرجح الأطباء أن السبب وراء ذلك هو تناول أغذية فاسدة وهذا ما أكده عبدالله أنه تناول في ذلك اليوم علبتان تونة اشتراها من أحد الباعة المتجولين بالمنطقة والتي كانت مقاربة على الانتهاء وتباع وسط ظروف بيئية غير جيده تؤدي إلى إتلافها وتحلل المواد الحافظة فيها.
ويؤكد د. محمد غالب أحد العاملين في قسم الطوارئ بمستشفى الجمهوري صنعاء في حديثه “لنِقاط” أنهم يستقبلون العديد من الحالات المصابة بالتسمم يوميًا وبأعداد كبيرة جدًا، وحول أعراض التسمم من هذه المنتجات قال أن أهمها هو الشعور بالغثيان والقيء والاسهال والتقلص الحاد في المعدة، من جهة أخرى يشير إلى أن هناك العديد من الناس يصابون بحالات التسمم ويشعرون بها ولكن دون الرجوع إلى المستشفيات وقد لا يشعرون بها لأنها تكون خفيفة نسبيُا ولا تدعو للقلق.
ينتظرون الإبلاغ
وفي هذا الصدد تعترف وزارة الصناعة والتجارة بوجود هذه الظاهرة في أسواق العاصمة صنعاء، وذلك بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب اليمني.
من خلال الاطلاع والنزول الميداني لبعض أسواق العاصمة نجد أن الجهات المختصة غير مبالية بحياة المواطن وسلامته ولا تضع هذا الشيء في محور اهتمامها بينما نجد أن هذه الظاهرة تنتشر بصورة كبيرة يومًا بعد آخر دون وجود رقيب أو حسيب ويؤكد عماد الصبري مدير الدائرة الإعلامية لوزارة الصناعة والتجارة أن هذا الأمر يعتبر قانوني ولا يعاقب عليه القانون, ويضيف: أن عملية النزول الميداني ومراقبة الأسواق تتم باستمرار في جميع الأسواق ألا أن معد التقرير لم يلاحظ أي عملية نزول تفتيش لتلك المحلات خلال الفترة الماضية، ويرجع “الصبري” الأمر إلى المواطنين الذين يجب عليهم القيام بالبلاغات للوزارة على الرقم المجاني الخاص بالشكاوي.
الملف الشخصي للكاتب
- كاتب وصحفي - خريج كلية الإعلام