“ابني ما زال يعاني من المضايقات اليومية، التي تدفعه للشعور بالمزيد من الخوف والقلق.” هكذا تقول والدة خالد، أحد الذي يعانون من اضطرابات عقلية، ازدادت بسبب مضايقات المجتمع الذي كان يعيش فيه، لدرجة أنه آثر العزلة والانطواء في منزل مهجور في أطراف القرية بعد أن كان يعيش حياة طبيعية يتجاوب فيها مع الناس ويفهم الكثير من الأشياء.
الصورة النمطية.
الاضطرابات العقلية تحدث مع الكثيرين ولأسباب عديدة، ولكن المضايقات التي تصدر عن المجتمع المحيط بالمريض تزيد الأمر سوءًا، إذ أن الاضطراب ليس جنونًا ولكنه حالات نفسية معقدة تحدث مع بعض الأشخاص ولفترات طويلة، وغالبا ما تكون فترات معينة ومحدودة حسب الأسباب التي أدت إلى حدوثها، وفيها يفقد الشخص قدرته على التركيز أو التجاوب الكامل مع المحيط من حوله، فيصبح شاردًا أغلب الوقت ويفكر بأشياء بعيدة، ولكنه لا يفقد قواه العقلية كاملة، لذا يبقى بإمكانه الشعور بالكثير من الأشياء، وفهم بعض الأمور التي لا تحتاج إلى الكثير من التركيز، ولكن الصورة النمطية التي يكتسبها المجتمع عن المضطربين عقليًا جعلتهم ينظرون إليهم كأشخاص مجانين ومختلين عقليًا وعديمي الإحساس، ولهذا لا يتصرفون معهم كالأناس العاديين، فيضايقونهم بالكلام ويهربون منهم، وأحيانًا يتعرضون لهم بالضرب وغير ذلك، مما يفاقم مشكلة أولئك المرضى، ويزيد من خوفهم وقلقهم ويدفعهم للهروب من العالم المحيط، وغالبا ما يكون الهروب بالعزلة، وغالبا بالسفر إلى أماكن بعيدة، وقد يحدث أسوأ من ذلك، إذ قد يؤدي إلى الانتحار، إذا لم يجد ذلك الشخص وسيلة للعزلة أو الهروب.
النبذ والانتحار
علي إبراهيم شاب في الثلاثينيات من عمره، كان لديه طموح كبير لتغيير حياته إلى الأفضل، كان يعمل في إحدى الشركات وكان على وشك الزواج من زميلة له في مكان العمل أحبها منذ أيام المدرسة،
وفي أحد الأيام وقع علي في ورطة كبيرة مع الشركة التي يعمل فيها إذ اتهامه بالنصب والاحتيال مما أوقعه في دائرة الشك وفقد ثقة الكثيرين ممن حوله، وتم نبذه من قبل المجتمع الذي يحيط به، وقد أثر ذلك عليه بشكلٍ كبير، فكان من تداعيات ذلك أن خسر وظيفته الرئيسية التي كان يعتمد عليه، وكذلك ثقة وحب الكثير من الأحبة والأصدقاء، ومنهم خطيبته التي تركته لنفس السبب، مما دفعه للشعور باليأس والاكتئاب حيث أصبح عاجزًا عن العمل والاندماج في مجتمع يكرهه، فانهارت أحلامه وطموحاته، بسبب وصمة العار التي لحقت به دون أن يكون له أي دور فيها، مما اضطره ذلك إلى الانتحار هروبًا من كل ذلك.
النظرة
يقول الدكتور عبد الناصر حسين “أن النظرة السلبية للمرضى النفسيين من قبل المجتمع لها آثار سلبيه كبيرة حيث أنها لا تؤثر على حياة المريض فقط بل تتفاقم في تأثيرها على أسرته والسبب في ذلك يعود إلى انعدام الثقافة الطبية النفسية حيث مازال النظر للأمراض النفسية على أنه شيئًا من السحر والشعوذة وعدم معرفتهم بالأمراض النفسية التي تحدث نتيجة خلل كيميائي في الدماغ وتؤدي إلى فقدان التوازن الفكري والمعرفي والسلوكي للشخص المصاب بالمرض النفسي وليس شرطا أن يكون كل مريض نفسي مريض عقلي ( مجنون ) حيث أن الفرق بينهما يكمن بالإدراك للواقع المحيط به فالمريض العقلي لا يعرف لوضعه الصحي وواقع حياته فينكر أنه مريض و يكون خارج ادراكه للواقع المحيطة به فتجده يتحدث مع نفسه وكأنه يتحدث مع الآخرين أما المريض النفسي يكون على معرفة بحالته الصحية والنفسية ويبحث عن مساعدة للتخلص من مشاعر الحزن والخوف والقلق ورغم هذا يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي الا أن تجاهله لصحته النفسي وعدم الذهاب إلى الطبيب النفسي في الوقت المناسب تزيد من مخاطر المرض النفسي ويتحول إلى اضطراب عقلي”
عدم الانتماء
إن الإصابة بالمرض من أوائل الأخطار التي واجهت الإنسان منذُ إن خلق على وجه الأرض وقد أثبتت دراسات عديدة أجريت على بقايا الإنسان الأول أنه كان يعاني من أمراض عديدة ومنها الكثير من الأمراض النفسية التي تعد من أشد الأمراض قسوة وعنفًا في انتزاع السعادة لدى الإنسان وتدميرها بل يتعدى ذلك سلب وتدهور سعادة وأمن المحيطين به من أفراد أسرته ومجتمعه أيضا فالشخص المصاب بالمرض النفسي والعقلية يجعل كل من حوله يعاني من البؤس والتعاسة و ضيق الصدر والخوف وكذلك يسبب إعاقة فكريه وثقافية وإنتاجيه وإبداعيه للفرد ذاته لأن المريض النفسي يشعر بعدم الانتماء إلى كل ما يحيط به وعدم تقبلهم له كشخص طبيعي يعاني من نتيجة التنمر المستمر عليه والحاق الوصمة به لأن ثقافة المجتمع لا ترى الأمراض النفسية مثل باقي الأمراض العضوية الأخرى.
الملف الشخصي للكاتب
آخر مقالاته
- تقريريوليو 26, 2024ذوي الحكمة(المجانين) مرمى لسخط المجتمع.
- أهم المقالاتيوليو 17, 2024أثير جديد يحتل الإذاعة… البودكاست صوت الإعلام الحديث
- تحقيقيوليو 15, 2024“من مساحات مصممة لراحة المشاة إلى أماكن مهملة… التحول المؤسف لجسور وأنفاق المشاة”
- طاولةيوليو 14, 2024أنتِ كفيفة ولن تفيدينا في هذا المجال.. حياة الأشموري أول كفيفة تحصل على التوفل في اليمن