عندما تتدفق الأمواج العاتية من الأغاني والمشاهد المؤثرة، نجد أنفسنا مبهورين ومغمورين في قصص حب حارقة وصراعات اجتماعية ملتهبة. هذا هو مشهد المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة حيث انتشرت المسلسلات الهندية والتركية كالنار في أوساط المجتمع العربي لتغبر ملامح الثقافة العربية وقيمها الاجتماعية.
فبينما كان العرب يألفون النماذج التقليدية المحافظة في قصص الحب والزواج، لوحت هذه المسلسلات بأنماط جديدة من العلاقات الإنسانية فالحب أصبح أكثر شراسة وعاطفية والزواج لم يعد قيدًا لا مفر منه، بل أصبح خيارًا يحمل تداعيات اجتماعية وثقافية معقدة.
علاقات وطبقات
أظهرت العديد من الدراسات والبحوث أن المسلسلات التركية والهندية قد أدت إلى تغير في النظرة إلى بعض القيم والممارسات الاجتماعية لدى الجمهور العربي، فبرزت العديد من القضايا مثل الزواج بين أشخاص من طبقات اجتماعية مختلفة، والعلاقات العاطفية خارج إطار الزواج والتسامح الديني يشكل أكثر انفتاحًا مقارنة بالنماذج التقليدية السائدة في المجتمعات العربية.
في ذات السياق تقول “هالة أحمد” أن المسلسلات أصبحت جزءا أساسيا من روتيني اليومي، وفي بعض الأحيان فإن معدل مشاهدتي لتلك المسلسلات يتراوح ما بين ثلاث إلى أربع ساعات يوميًا، ولا يقتصر الأمر على شاشة التلفاز فقط بل أنني أشاهد قبل النوم من الهاتف الشخصي. وتضيف في حديثها “لنقاط” أن أهم الدوافع لمشاهدة هذه المسلسلات هو قصص الحب والعلاقات التي تعرض فيها والنهايات السعيدة التي تحدث، وهذا ما لا نجده في مجتمعنا المحلي، إضافة إلى التعامل الجيد مع قصص الحب وتقديس العلاقات العاطفية من ناحية الشباب.
إشباع وهمي
يقول الدكتور “صخر الشدادي” مدير الوحدة النفسية في المركز الطبي الخيري إن المسلسلات الهندية والتركية تمثل غزوا فكريا يهدف إلى تغيير أفكار الشباب من الجنسين، خصوصا المراهقين. إضافة الى النساء والأطفال. ومن المتعارف عليه أننا مجتمع محافظ ولديه عاداته وتقاليده المتوارثة، ولكنهم من خلال هذه المسلسلات يحاولون اختراقه باسم الحرية، وكذلك يسعون إلى تفكيك الترابط الأسري من الناحية العاطفية عن طريق إثبات أن للبنت حرية اختيار شريك حياتها وفق ما يرسمونه في خططهم للتأثير على متابعيهم من المجتمع العربي لا وفق شريعة الدين الإسلامي، ونجد أن هناك قله اهتمام من جهة الوالدين تجاه أبنائهم، فيتركونهم يشاهدون ما يحلوا لهم غير مكترثين بأهمية الكارثة التي يتعرض لها أولادهم.
فنستطيع القول أن تلك المسلسلات أحدثت فروقًا شاسعة بين الثقافة العربية الإسلامية وبين ثقافة تلك المسلسلات، مما يجعلنا نتساءل عن أسباب إدمان الأسرة اليمنية على مشاهدة مثل هذه المسلسلات المحملة بقيم غريبة وأساليب للحياة الأسرية غير معهودة لدى الجميع.
وتقول الشابة “فاطمة علي” إن أهم ما يجذبها لمتابعة هذه المسلسلات هو ما تحتويه من أزياء مبهرة ومناظر طبيعية خلابة وجمال الممثلين والممثلات، تجعل المراهقين يعيشون ساعة رومانسية جميلة حتى لو كانت خيالية أو شعورية.
ولعل أهم الأسباب التي تجعل الطفل ينجذب نحو هذه المسلسلات هي محاولة تقليد الآباء في هذا الأمر؛ كون الطفل يحاول تقليد والديه في كل أمور الحياة التي تواجهه حسب ما أكده “محمد سالم” دكتور علم الاجتماع.
انحراف للقيم
لا شك أن هناك فوائد إيجابية لهذه المسلسلات، لعل أهمها الترفيه والتسلية إلى جانب ملء وقت الفراغ، إلا أن آثارها السلبية كثيرة جدًا فهناك جانب مظلم لهذه المسلسلات، فبالقدر الذي يستفيد المشاهد من الترفيه والتعرف والانفتاح على الثقافات الأخرى وإثراء حصيلته اللغوية، ربما يتعلم أساليب التعامل مع بعض المواقف الحياتية، إلا أنه بالمقابل قد يتضرر من هذه المشاهدة.
فنجد أن المسلسلات الهندية تحتوي على مشاهد إثارة جنسية تستهدف أخلاق الشباب المسلم مستغلة بذلك بطالته وحرمانه، لتدفع به إلى أنماط سلوكية انحرافيه تتناقض مع قيمه ومعتقداته الدينية، وكل هذا بعيدًا عن واقع تلك المجتمعات ولكنهم يقدمون للأسرة العربية هذه الوجبة المشبعة بالقيم المنحطة في محاول لطمس معالم الدين الإسلامي.
غير واقعي
إن ما يقدم في المسلسلات الهندية والتركية من قصص وأحداث، لا تعكس حقيقة حياة تلك المجتمعات، بل هي أحداث لا تمت للواقع بصلة، فكل ما تسعى إليه تلك المسلسلات هي تقديم ثقافات جديدة ودخيلة على المجتمع العربي، وهذا ما أكده “أحمد حسين” أستاذ علوم القران بجامع محمد الإمام بقوله إن كثرة المسلسلات والأفلام المقدمة لمجتمعاتنا تسعى إلى إحداث تغيير في معايير القيم ومعتقدات الفكر والعقل العربي. ومع كثرة القنوات التي تقدم تلك المسلسلات، قل الوعي والاهتمام بالجانب الديني إضافة إلى ندرة المواد الدينية المقدمة من القنوات العربية.
ويضيف إن أنتاج تلك المسلسلات هو السعي إلى الفتك بقواعد ومبادئ ديننا الحنيف من خلال ذلك السم الذي يتخللها، مما يجعل مشاهدة هذه المسلسلات تدخل في قائمة الاشتباه وتعتبر هذه المسلسلات محرمة لما يوجد فيها من مشاهد مخالفة للدين.
هناك آثار سلبية عديدة على المشاهدين الشباب والمراهقين ذكورًا وإناثا، الذين ما زالوا في مرحلة النشء والبلوغ وهذا يؤثر في تحديد مسارات سلوكهم، فنجد أن الشباب هم الأكثر تعرضًا لتغيير القيم من خلال تقليد أساليب اللباس والتصرفات الفردية التي يشاهدونها على الفضائيات، إضافة إلى تبني أنماط جديدة للعلاقات الاجتماعية والحميمية حسب قول “نبيل أحمد” 42 عام.
تسويق أفكار
وعلى مستوى المجتمع، نلاحظ تحولات ملموسة في قيم وممارسات الناس، فالنظرة إلى الزواج والعلاقات العاطفية أصبحت أكثر تحررًا وأقل قيودًا، إضافة إلى إهمال بعض الأفراد للواجبات والمسؤوليات الأسرية بسبب الانغماس المفرط في متابعة المسلسلات، ولعل الخطر الأكبر يبرز في ذلك الشذوذ الجنسي الذي يقدم في تلك المسلسلات وهذا التأثير يظهر جليًا في التحولات الجنسية في أوساط الشباب العربي ذكورًا وإناثًا.
لا شك أن المسلسلات التركية والهندية قد أحدثت تأثيرات واضحة على المجتمعات العربية، ويبقى تأثير هذه المسلسلات على المجتمعات العربية موضوعًا للنقاش، فقد أثرت سلبًا على بعض القيم التقليدية لكن في المقابل فتحت آفاقًا جديدة للتعرف على ثقافات مختلفة، ويبقى السؤال الأهم كيف نتعامل مع هذا التدفق الثقافي بحكمة؟
الملف الشخصي للكاتب
آخر مقالاته
- تقريريوليو 16, 2024تتميز العمارة اليمنية بحضورها الجمالي… صناعة القمرية.. حرفة عريقة تهددها البدائل العصرية
- تحقيقيوليو 15, 2024“من مساحات مصممة لراحة المشاة إلى أماكن مهملة… التحول المؤسف لجسور وأنفاق المشاة”
- تقريريوليو 14, 2024أخذت جدلا واسعا بين الرفض والقبول المسلسلات التركية والهندية.. تأثير يتجاوز الفكر إلى السلوك
- إضاءاتيوليو 14, 2024فنانة بصرية وأديبة وناقدة يمنية آمنة النصيري.. مدرسة ابداعية جسّرت بين الاصالة المعاصرة