“لمن كل هذي القناديل .. تضوّي لمن؟ وهذي المواويل في العرس تشدو لمن؟” هكذا بدأت الأغنية الخالدة التي غنّاها الفنان “أيوب طارش” في أيام الوحدة اليمنية مستهل تسعينيّات القرن الماضي، ليعبّر بها عن فرحة الشعب اليمني بذلك اليوم العظيم، الذي التحم فيه شطرا اليمن بعد أن مزّقه الاستعمار الخارجي وبعثر أواصره لفترة طويلة من الزمن.
أكثر من ثلاثين عامًا مرّ على الوحدة اليمنية، وكذلك على هذه الأغنية الشامخة التي تزامنت مع ذلك الحدث الكبير، وبقي ذكرها ما بقيت عظمة تلك الأيام في نفوس أبناء الوطن الواحد، الذين جاءت الوحدة كبشارة لهم بوطن مشرق وقلوب مطمئنة بمستقبل حافل بالبناء والسلام، بعد أن عاش الشطران كل أنواع البؤس والتشرد لأجيال كثيرة بفعل كل من الاستعمار البريطاني، والإمامة البائدة، بالإضافة إلى الألاعيب التي جاءت من بعدهم للعمل على استمرارية الفرقة، وقد دبت في الشعب اليمني فرحة كبيرة لتلك الوحدة التي ضمتهم تحت راية واحدة ووطن واحد يمتد من صعدة إلى عدن ومن الحديدة حتى المهرة، وقد حاولوا بكل الطرق الممكنة للتعبير عن فرحتهم من الأناشيد والقصائد والغناء وغيرها، وكان من ذلك أغنية أعطاها اليمنيون الكثير من الحب، وستدوم في قلوبهم ما دامت الوحدة.
كتب كلماتها الشاعر الراحل “أحمد الجابري” ولحنها وغنّاها فنان اليمن الكبير “أيوب طارش” باستخدام آلات شعبية وبفن يمني أصيل، وبذائقة فنية رائعة تروق للشعب كله في كل أنحاء البلاد.
وقد تناولت الأغنية الحديث عن الفرحة العارمة التي انتابت اليمنين آنذاك وقد عبّر عنها الشاعر بطريقة غير مباشرة وذلك استخدام أساليب إنشائية بسيطة يبدأها بمصطلحات سهلة تعبر عن العيد ومن ذلك القناديل التي يكثر استخدامها في الأعياد والأعراس للتعبير عن فرحتهم وأهمية المناسبة لديهم فيتساءل “لمن كل هذي القناديل؟ تضوي لمن؟ وكل هذه المووايل في العرس تشدو لمن؟” ولوهلة قد يشعر القارئ أنه يتحدث عن مناسبة شعبية عابرة لولا أن الشاعر يمضي في التعبير بطريقته فيربطه بالوطن “هل الأرض عاد لها ذو يزن” وذلك لارتباط ذو يزن وهو من أشهر ملوك حمير بتاريخ اليمن ككل “وعاد الزمان” ليربطه بالأيام الماضية حيث كان اليمنيون في أوج قوتهم آنذاك، ثم يكمل “وعادت عدن” ليشير بهذا إلى مدينة عدن كجزء لا يتجزأ من هذا الوطن الكبير حيث لا يليق بها إلا أن تبقى كذلك، ثم يجيب عن أسئلته للتوضيح أكثر “لأجل اليمن” وقد كرر هذا أكثر من مرة في القصيدة، مشيرًا إلى أن كل هذه السعادة الكبيرة من أجل اليمن، وهو الاسم التاريخي للبقعة الجغرافية الكبيرة التي ضمت في تاريخها جنوب الجزيرة العربية ومن ذلك مدينتي صنعاء وعدن، وكلاهما كنت عاصمتي الشطرين، ومن الجمل الإنشائية التي استخدمها الشاعر للتعبير عن ما ينتابه من السعادة، الطلب في قوله “فعيدي لنا مجد أسلافنا، وشدي النجوم وسيري بنا” وهو بهذا يمضي في حديثه عن المجد الكبير الذي مرت به اليمن في القرون الماضية، ثم يعود في المقطع الثالث ليصرّح بشكل مباشر عن الوحدة التي كانت حلم السنين بالنسبة لشعب عاش التمزق بين شطرين مختلفين، فيصورها بقبلة العاشقين، ليذوّب فيها كل ما لديه من الشعور بالنشوة، إذ أنه ما عاد يغريه من الحب في لحظة كهذه إلا حب اليمن، ويبتعد عن ذلك أكثر في قوله “أطلت على العُمق شمسٌ لنا” ليستعير عن الفرقة التي عاشها اليمنيون بالهاوية التي ما فتئت في ظلام كبير ولأنه لم يذكر الهاوية بصفتها العامة وإنما أشار إليها بإحدى صفاتها وهو العمق لذا تبقى استعارة مكنية، وقد أردفها مباشرة باستعارة تصريحية في تعييره عن الوحدة بالشمس، يبقى معنى كلامه أن الهاوية التي عاشها الشعب فد جاءت إليها الوحدة كشمسٍ مشرقة لتضيئها وتنير الطريق للعابرين في سبيل مستقبل حافل ومشرق لليمن واليمنين.
وهكذا كان للأغنية تأثيرًا كبيرًا في نفوس الناس وقد بقي الكثيرون يتغنون بها لسنواتٍ طويلة كلما مرّت بهم شمس الثاني والعشرين من مايو كل عام، وهي ذكرى الوحدة الكبيرة التي عاشها اليمنيون بمشاعرٍ جياشّة وقلوبٍ نابضة، ولوقتٍ طويل رغم مرور الأيام وتقلبها إلا أن ذلك قد دفع الشعب أكثر إلى العودة لتلك الفترة، واستذكارها والتغني بها لما فيها من الفخر الكبير والسعادة العارمة التي انتابت الملايين آنذاك في اليمن خاصة والوطن العربي عامة.