Image
  • Home
  • إضاءات
  • فنانة بصرية وأديبة وناقدة يمنية آمنة النصيري.. مدرسة ابداعية جسّرت بين الاصالة المعاصرة

فنانة بصرية وأديبة وناقدة يمنية آمنة النصيري.. مدرسة ابداعية جسّرت بين الاصالة المعاصرة

إنها لا تؤمن بتجنيس الفن والأدب على أساس النوع، كما لا تؤمن بتصنيفهما على أساس قُطري أو إقليمي، فهي تنظر إلى ذاتها نتاجًا لثقافة وتراث متعدّد محلي وعربي وكوني، كما أنها تعتز دوما بانتمائها إلى المدرسة الفنية والأدبية المعاصرة التي صار فنها وأدبها خليطًا من عدة اتجاهات، كما ترفض الانتماء إلى الفكر النسوي، واضعة انتاجها من الأعمال البصرية خارج التجنيس، كما قالت في كثير من حواراتها.

إنها الفنانة التشكيلية والأديبة والناقدة الأكاديمية المتخصصة في فلسفة الجمال (أستاذة الفلسفة وعلم الجمال في جامعة صنعاء)، التي حاولنا إعادة صياغة سيرتها الإبداعية في سطور هذا البروفايل، عبر قراءة استعدنا فيها محطات هامة من تكوينها التعليمي والمعرفي والفني والأكاديمي وإسهاماتها الفنية في إقامة المعارض المحلية والعربية والدولية، وكذلك أطروحاتها البحثية ومؤلفاتها.

بداياتها

في مدينة رداع محافظة البيضاء، وسط اليمن ولدت الفنانة التشكيلية آمنة علي النصيري، في عام ١٩٧٠م لتبدأ حياتها التعليمية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات، وحتى منتصف التسعينيات كانت النصيري قد حصلت على درجتي البكالوريوس والماجستير من أكاديمية الدولة العليا للفنون، سوريكوف في موسكو، قسم تاريخ نظريات الفن وعلم الجمال، وحصلت على الدكتوراه في فلسفة الفن من قسم الفلسفة في كلية العلوم الإنسانية، جامعة الصداقة بين الشعوب، موسكو، روسيا 2001م.

وتعمل من حينها حتى اليوم أستاذ مساعد في مجال فلسفة الفن وعلم الجمال، قسم الفلسفة، كلية الآداب، جامعة صنعاء، محاضرًا في قضايا الفلسفة والفنون في المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية في مختلف البلدان، وفي الوقت نفسه تواصل أعمالها البصرية الإبداعية كفنانة تشكيلية لها حضورها الفني والإنتاجي على المستوى المحلي والدولي، فهي عضو مؤسِس في نقابة الفنانين التشكيليين اليمنيين، وسكرتيرة الحلقة الثقافية اليمنية الدولية، وعضو الرابطة الدولية للفنانين التشكيليين AIAP. وعضو لجنة تحكيم جائزة رئيس الجمهورية للفنون 2002-2014م، بالإضافة إلى عضويتها في لجان تحكيم لجوائز عربية مرموقة في الفنون والدراسات النقدية، ومنذ العام 2009 أسست وترأست مرسم ومؤسسة “كون” لتنمية الذائقة والثقافة البصرية.

كما تزاول النصيري البحث والكتابة النقدية في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية، ولها أعمدة ثابتة في أكثر من صحيفة محلية، وترأست تحرير صحيفة “تشكيل”، كما أعدت وقدمت برنامج “تشكيل” في القناة الفضائية اليمنية، وفي 2001 كرمتها جمعية النقاد الروس بمنحها الوسام التذكاري والعضوية الشرفية للجمعية.

مشاركاتها

لدى الفنانة التشكيلية والأكاديمية الدكتورة “آمنة النصيري” أكثر من عشرين مشاركة في معارض خارجية في العالم العربي وأوروبا، إلى جانب المشاركة بأوراق بحثية في الندوات والمؤتمرات ذات العلاقة بالفنون، كما أقامت من المعارض الشخصية حتى الآن أكثر من سبعة عشر معرضًا، في اليمن والعالم العربي ودول غربية، أما الأهم فهُما معرضان أعدّتهما من المحطات المهمّة بالنسبة لرؤيتها تجاه الفن والحياة، وهُما: “حصارات” و”الرؤية من الداخل”، أما عن الأعمال أو اللوحات الشهيرة فيصعب عدها.

مؤلفاتها

تميزت الفنانة “آمنة النصيري” بالحراك العلمي والبحثي الكبير فلديها ما يقارب اثنين وعشرين بحثًا ودراسة ولعل أشهرها: المحددات الاجتماعية في خطاب التشكيلية العربية، بحث الرؤية من بعد واحد، دراسة صورة المرأة في العربي خارج النمذجة الجمالية، بحث بعنوان صورة الحرف في التشكيل العربي المعاصر ضمن فعاليات الندوة المصاحبة لملتقى الشارقة لفن الخط والزخرفة. ولم يقتصر إنتاج آمنة في البحوث والدراسات فقط، فلديها ثلاثة مؤلفات هي: مقامات اللون (مقالات ورؤى في الفن البصري): وزارة الثقافة، صنعاء: 2004م، مواقيت لأحزان سبأ (عمل مشترك مع الشاعر أحمد العواضي): صادر عن وزارة الثقافة، صنعاء: 2004م، متوالية القديم والجديد (عمل مشترك مع الدكتور عمر عبد العزيز): صادر عن دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة: 2003م)

رؤى عميقة

للنصيري أفكار كثيرة تجاه الفن والحياة وتتعلق كثيرا بعقلية الفنان أو المبدع أمام الأزمات والصراعات والحروب، إذ أنه قد يجد الفنان التشكيلي نفسه في سياق جبري يفرض عليه التعاطي مع طبيعة الأحداث وتفاعلات مشهدها القاتم تبعًا لطبيعة تكوينه الحساس. وفيما يتعلق بهذا تقول “النصيري” من وجهة نظر نقية وفلسفية: “من المعلوم أن الفنان أشد حساسية في تكوينه من الآخرين، ولا يجب أن نفهم من حساسية الفنان أنَّه شخصية هشّة، فذلك شأنٌ آخر، لكن المقصود  أنه يستقبل الأحداث بدرجة انفعال وتأثر أشد من أي فرد عادي، ولهذا يصبح لديه دافع قوي للتعبير، لكن هذا التعبير ليس توثيقًا للتاريخ أو الوقائع، إنما رؤية فنية قد لا تلتزم بأي معطيات واقعية فعلية، لذا من الصعب الاعتقاد أن الفنان قادر على عكس زمنه الراهن في اللحظة ذاتها، فهو يحتاج إلى مدىً زمنيّ لاستيعابها كفكرة إبداعية، يقوم بتجسيدها بعيدًا عن الانفعال اللحظي، واللغة المباشرة، وهذه سمات قد تفسد العمل الفني، وتحوّله إلى شكل فج، وتصدق مقولة “فرجينيا وولف” هنا، عندما رأت أن الغضب الزائد يفسد التجربة الإبداعية، فالانفعال المرتبط بحدث معين يجب أن يتحوّل إلى مشاعر عميقة مندمجة بالرؤية الفنية، لأن الفنان ليس مؤرخًا، أو باحثًا حتى ينشغل بنقل الوقائع أولًا بأول، فما ينتظر منه دومًا في العمل بشكل رئيسي هو الفن قبل كل شيء، ولكي نتابع كيف يتمثل الفنانون الحرب كثيمة في التجارب التشكيلية، سنحتاج إلى أن يتجاوز معظمهم الحدث نفسه ويحوّلوه بعد وقت إلى نصوص خلاقة”.

لا يمكن النظر إلى تأثير الصراعات والعنف على الفنان من زاوية الإلهام فقط، بل إن للصراعات والحروب جانبها المدمّر على الفنانين من عدة أوجه، اقتصاديًّا ونفسيًّا، وأحيانًا على الحياة ذاتها، فلو كان الأمر بهذه البساطة لما انتحر الشاعر “خليل حاوي” في الحرب الأهلية اللبنانية، ولما أصيب الفنان الإسباني “غويا” بالجنون، وهو الذي عايش الحرب الأهلية في بلده، ولما انتحر الفنان التشكيلي “لؤي كيالي” بعد الهزيمة وتوابعها. هناك المئات من المبدعين الذين دمّرتهم الحروب أو ساقتهم إلى التيه والجنون والضياع والانتحار، أو جرفتهم للمشاركة في دوائر العنف.

من هذا المنطلق تجد النصيري أن أهم دور يناط به الفنان في أوقات كهذه، هو أن يحافظ على ذاته المبدعة من الاختلال والدمار الروحي، وأن يبقى بعيدًا عن الانجرار لمزالق العنف، أو المشاركة فيه، وأن يظل ضمير الإنسانية المضاد للحرب.

وتؤكد أن هناك شواهد تاريخية لإصرار الفن على مقاومة الأزمات والتنبؤ بمآلاتها، مفسرة ذلك بقولها: “إن في الفن قدر كبير من النبوءة، لعدة أسباب منها إن الفنان يرى ما لا يراه الآخرون، ويتجاوز الفن الزمان والمكان، وفي التجربة الفنية قدرٌ عالٍ من الحدس، وكم هي كثيرة الأعمال الفنية، في السينما والتشكيل والرواية والشعر، التي تنبأت بأحداث وقعت فيما بعد. العمل الفني يستشرف المستقبل، وإن تم ذلك داخل سياقات إبداعية، وهذه إحدى وظائف الفن، والأمثلة كثيرة بمعارض وأفلام وروايات تنبأت بحروب، وثورات وأوبئة حدثت بالفعل بعد زمن، وبعض التجارب الفنية تكون بمثابة جرس يدق لتلافي الخطر”.

الملف الشخصي للكاتب

محمد مبخوت

Scroll to Top