يُعد العسل اليمني الأكثر شهرة وحضورًا في الأسواق العالمية لما يتمتع به من فوائد تعود على جسم الإنسان، وذلك بسبب وجود الأشجار النادرة التي تتغذى منها النحل حيث تُترك النحلة تأخذ غذاءها بنفسها دون أن يتم تخصيص غذاء محدد لها، وهذا يعود إلى طبيعة الأرض التي تمتاز بها اليمن والبيئة وتنوع الأشجار مما جعل العسل اليمني الأغلى في العالم حسب ما ذكرته منظمة الفاو العالمية.
يتنوع العسل اليمني حسب نوع الشجرة التي تتغذي منها النحلة والمنطقة التي تعيش فيها وقد سُجِّل العسل الدوعني كأفضل أنواع العسل اليمني، يليه “السدر” الذي يشتهر في كافة أرجاء البلاد بجودته المتميزة وفوائده الكثيرة وكذلك “السمر” و”المراعي” و”الجبلي” و”العصيمي” ولكل نوع فائدة تميزه عن غيره ويُعد العسل اليمني علاجًا لكثير من الأمراض، وسنحاول هنا التعرف على الكثير من جوانب العسل اليمني من خلال التحقيق التالي.
حسب ما ذكره موقع “مواسم” في مقال نشر في العام 2023 عن فوائد العسل اليمني فإن عسل “دوعن” يُعد علاجًا لكبار السن فيعمل على تزويدهم بالمناعة وأما عسل “السدر” فيعد علاجًا للمرضى الذين يعانون من القولون العصبي وهناك عسل “السمر” الذي يعد سلاحًا مقاومًا لمرض السكر كونه خالٍ تمامًا من السكر ولاحتوائه على أنسولين نباتي ينشط البنكرياس، وله فوائد عديدة منها علاج لمرضى الكبد والمعدة وكذلك مرضى فقر الدم، وأما عسل “الصال (الأثل)” فيعد مضادًا للربول، وكذلك عسل “المراعي” الذي ينتج طوال أيام السنة لأنه يمتزج من عدة أشجار وعادة يستخدم ففي الطعام وله فوائد، وخاصة لمن يعانون من سوء التغذية. وهناك نوع آخر يسمى عسل “السلام” الذي ينصح به لعلاج السكر من قبل الأطباء كبديل للتحلية لأنه قليل السكر.
عسل مغشوش
وبالرغم من الفوائد العديدة للعسل اليمني بأنواعه المختلفة إلا أنه انتشرت مؤخرًا ظاهرة بيع العسل المغشوش في بعض شوارع العاصمة صنعاء وتقديمه على أنه عسل “مراعي” مما يدفع ضعيفي الخبرة للشراء والوقوع في الفخ، ليكتشف بأنه مغشوش مما يوثر على سمعة العسل اليمني ويجعله غير موثوق من قبل الكثيرين وخاصة عديمي الخبرة.
مصطفى القطريفي (24) طالب في جامعة صنعاء يقول لـ”نقاط”: كنت أمشي في أحد شوارع العاصمة صنعاء فقابلني أحد الأشخاص وعرض علي دبة عسل عبوة 75 ملي وقال لي أنه يريد السفر إلى محافظة صعدة لأمرٍ طارئ ولا يملك سوى هذا العسل وعليه أن يسافر حالا للضرورة ويريد بيعها لي مقابل تكاليف السفر. يقول مصطفى: أخرجت من جيبي 5000 ريال يمني وأعطيته لأتفاجأ عندما عدت إلى السكن بأنه مغشوش وغير صالح للأكل، وأخبرني أحد الأصدقاء بأنه قد يكون له تأثيرات جانبية ويضيف: لقد تركته في الثلاجة لأكتشف في الصباح أنه قد تثلج ليتضح لي بعد ذلك أنه عسل غير طبيعي.
احتيال
لا يختلف الحال لدى محمد قاسم (27) الذي تعرض للحادثة نفسها حيث يقول لـ”نقاط”: كنت خارجًا من أحد مستشفيات العاصمة صنعاء فاستوقفني رجل يرتدي ملابس شبه متسخة ويرتدي جعبة وبندقية من نوع كلاشنكوف، وقال لي: إذا سمحت يا أخي، أنا من محافظة الجوف وأريد العودة لأن والدي مريض لكني لا أملك تكلفة المواصلات، وليس لدي من المال سوى دبة العسل هذه، أرسلها لي والدي وهو عسل درجة أولى وأقسم لك على ذلك. يقول محمد: شعرت بالحزن وأخرجت كل ما في جيبي من النقود وهي لا تقل عن 10 ألف ريال يمني، وقلت في نفسي دعه يزور والده ويسعفه وأنا آخذ العسل لقريبي المريض، لكن عند عودتي بالعسل للمستشفى رآها أحد أقاربي وأخبرني أن العسل مغشوش، فخرجت مسرعًا من المستشفى لعلي أجده ولكن فات الأوان فقد ترك المكان مباشرة بعد عملية الاحتيال.
مبلغ زهيد
نزل معد التحقيق إلى بعض أسواق العاصمة صنعاء حيث وجدها تكتظ بالعسل المغشوش الذي يباع في وضح النهار على الأرصفة وفي الشوارع وداخل الأسواق عن طريق باعة متجولين وتتراوح أسعاره ما بين 3 إلى 6 آلف ريال يمني، أي ما يعادل 10 دولار ولا يوجد أي رقابة من قبل الجهات المختصة لردع الغشاشين ولا قانون يعاقب كل من يتعامل به.
اطلع معد التحقيق على كيفية صناعة العسل وتبين أنه يتم بعدة مراحل ومن عدة مكونات أهمها بقايا خلايا نحل طبيعي ونشا ومعزز نكهة وكذلك صبر سقطري وسكر وصبغة لون ومواد حافظة يتم تجميعها كاملة وطهيها على النار لفترة محددة حسب خبير في صناعة العسل فضل عدم ذكر اسمه.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “عكاظ” السعودية في العام 2010 فإن العسل المغشوش يسبب مضاعفات كبيرة لدى مرضى السكر حيث يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم إضافة إلى أنه معرض للتلوث بشكل كبير بسبب الإضافات التي تضاف للعسل الطبيعي وتفقده خاصيته كعسل طبيعي.
ثلاثة أساليب
ومن جهتها تقول الدكتورة “سهى السراجي” أخصائية تغذية أن العسل الطبيعي يحتوي على معادن وفيتامينات طبيعية تساعد على استقلاب الكولسترول الذي لا يحتاجه الجسم، بينما العسل المغشوش يعمل العكس ويسبب مضاعفات لمرضى السكر أو أصحاب الأمراض المزمنة، ولا يحتوي على أي معادن تفيد الجسم وتتابع: إن التفريق بين العسل المغشوش والعسل الطبيعي يتم عند عملية الصب حيث يحصل تقطع في المغشوش بينما العسل الطبيعي لا يحصل فيه أي تقطع، وكذلك اللون والرائحة التي تتم معرفتها عن طريق نوع الشجرة التي تغذت منها النحلة وهذا لا يعرفه سوى الأشخاص ذوي الخبرة.
وهذا ما أكده مسؤول مختبر فحص العسل في كلية الزراعة جامعة صنعاء “محمد المدني” بقوله: إن معرفة العسل تتم بثلاثة أساليب أولها يتم الفحص فيزيائيًا لكل من اللون والطعم والرائحة والتبلور والتبريد، ثم كيميائيًا يتم فحص نسبة السكروز والفركتوز والجلكوز وكذلك الحموضة والفقاعات الهوائية، وبعد ذلك وهو الطريقة الثالثة حيث يتم فحص حبوب اللقاح وكشف نسبة الميكروبات.
نوعان للغش
ويضيف أن هناك نوعان للغش وهما غش طبيعي وغش صناعي، أما الغش الطبيعي فيتم خلط عسل طبيعي مع عسل صناعي ويتم تخزينه بمكان مغلق لمدة تتراوح ما بين خمسة إلى ستة أشهر وبعدها يتم توريده للأسوق على أنه عسل طبيعي أما العسل الصناعي فيتم صناعته وفق معايير محددة ولكن لا يستطيعون تزوير الرائحة وحبوب اللقاح وهذا يتم كشفه عن طريق الفحص.
أضرار مختلفة
ويرجح التاجر في العسل “حمدي اليوسفي” أن ظاهرة انتشار العسل المغشوش كارثة على المجتمع اليمني كونه العلاج الأول المستخدم لعلاج الكثير من الأمراض وإن انتشار العسل المغشوش يقلل من قيمة وسمعة العسل اليمني التي ظل ينافس بها على مستوى العالم مما يجعل الناس يعزفون عن الشراء لعدم القدرة على التفريق بينه وبين العسل البلدي.
ويضيف أنه يجب على الجهات المختصة أن تخصص فرق لمكافحة هذه الظاهرة قبل أن تتفاقم وتعمل على ردع الغشاشين، ويرجع السبب في ذلك لقلة الوعي لدى الجهات المختصة بحجم الكارثة وعدم المبالاة بما سيحدث للمستهلك من مخاطر نتيجة للمواد المستخدمة في ذلك، ويختتم حديثه أن هذا العمل يزيد من انتشار الأمراض عكس العسل البلدي الذي يعد شفاء لكثير من الأمراض.
ويرى النحال “سليمان فرحان” أن العسل المغشوش أثر على العسل البلدي ولم يعد أغلب الناس يثق بالعسل البلدي نتيجة للاحتيال الذي تعرضوا له، وأضاف أنه يؤثر علينا نحن كنحالين وبائعي عسل، حيث يعد المصدر الوحيد لنا في اكتساب لقمة العيش ويتابع أن صانعي العسل المغشوش يستخدمون طرق مبتكرة حتى لا يستطيع المواطن العادي التفريق بينه وبين العسل الطبيعي أثناء عملية الشراء.
كما تواصل معد التحقيق مع رئيس الجمعية اليمنية للنحالين وتجار العسل “عبد الله يريم” حول ظاهرة العسل المغشوش حيث قال إن هذا العمل غير أخلاقي وتشويه لسمعة العسل اليمني ومخالف للقانون وعليه عواقب وخيمة كالسجن والغرامة المالية، ويقول أنه في الفترة الأخيرة عملت الهيئة على تشكيل لجنة لمراقبة الأسواق والنزول الميداني لمحاربة الظاهرة وتم القبض على الكثير منهم وتبين أثناء التحقيق معهم بأنهم يتبعون تجار هدفهم تشويه سمعة العسل اليمني.
الملف الشخصي للكاتب
- كاتب
آخر مقالاته
- تقريريوليو 26, 2024ذوي الحكمة(المجانين) مرمى لسخط المجتمع.
- استطلاعيوليو 16, 2024التاريخ والطبيعة يمتزجان في “عنة” وتجمعهما العدين
- أهم المقالاتيوليو 16, 2024“الفن اليمني القديم إرث أجدادنا… سهى المصري الفن اليمني قريبًا سيكون في العالمية
- آراء وتحليلاتيوليو 14, 2024من الاحتلال إلى فنان الشعب والثورة… عطروش فنان الأغنية الخالدة برع يا استعمار.