تعتبر الكتابة من أهم مهارات اللغة التي لا يستطيع الانسان أن يمارس حياته العادية إلا بها، ويمكن استخدامها في كثير من الأعمال، كالإخبار وكتابة الرسائل وتدوين الذكريات والتعبير عن المشاعر وما إلى ذلك، وتعتبر الأخيرة من ضمن الكتابة الإبداعية التي تستخدم للتعبير عن مشاعر الإنسان وانفعالاته وتجاربه الشخصية خلال حياته ولكن بطريقة احترافية وفنية جميلة بحيث تجعل القارئ يستمتع بها ويستلذ بقراءتها بغض النظر عن الفائدة التي فيها أو العلاقة التي قد تربطه بها.
ولأن الكتابة الإبداعية والأدبية من النوع الذي يروق الإنسان وتجلب الشعور بالمتعة فقد يستغرق الكاتب الكثير من الوقت والجهد والتفكير أحيانًا لكتابة نصٍ نثري واحد أو قصيدة أو قصة طويلة أو قصيرة. هنا نجد أن لكل كاتب أسلوب ونمط خاص يدفعه للكتابة، “نِقاط” رصد بعض هذه الأساليب في هذا الاستطلاع.
ممارسات خاصة
حسب رأي الكاتب والناقد “علي أحمد قاسم” فالكتابة لها طقوس معينة أحيانًا، فهي تحتاج للعزلة والانفراد وأحيانا قد تكتب وتمزق لأنك لم تقتنع بما كتبت ومن ثم تندم على ذلك.
وطقوس الكتابة – حسب رأيه – دعوة للحرف من الروح فإن دعاك الحرف كتبت روحك وأثّرت في المتلقي والقارئ وأحيانا قد تمر بمرحلة سأم وملل فلا تستطيع أن تكتب حرفًا واحدًا، لعلاقتك المتنافرة بالحرف تظن عندها بأنك قد افتقدت الحرف ولم تعد قادرًا على شيء، ولكن سرعان ما تعود وما تلك الفترة إلا استراحة محارب جراء الضغط الفكري والنفسي على الذهن.
ويضيف: حين يكون مكانك في الكتابة مبعثر يفيض أوراقًا وكتبًا، فأنت تكتب فعلا وحين تخلو بنفسك لتكتب فأنت تجد عالمك الروحي وكونك الذي يعتقد الكثير بأنك منعزل وأنت بعالم تتنقل من روح ومن فكر إلى فكر، ومن زمن إلى زمن.
وحين تشتاق للحرف ويجرفك السطر فتترك من حولك وتهرع للكتابة، فأنت تكتب.
وأيضًا من طقوس الكتابة الماتعة – حسب رأيه – أن يسرقك الوقت ولا تدري بمن حولك إلا في وقت متأخر حين تعود لنفسك، وأيضًا أن تتألم وتشعر بالحرمان حين يطرأ على جدولك طارئ لم يكن بالحسبان فتشعر بأن ذلك حرمك كثيرا من المتعة والأنس والفائدة فتحاول جهدك أن ينتهي بأسرع وقتٍ ممكن.
انفعالات شخصية
قد تكون الكتابة ردود فعل خاصة بالكتاب والادباء نتيجة لما يحدث في الواقع بعيدا عن الطقوس الخاصة التي يمارسها الكاتب ويعتبرها كدافع للإبداع حيث تقول الكاتبة والشاعرة “عائشة المحرابي”: بالنسبة لي لا توجد أية طقوس محددة للكتابة، ففي الوقت الذي أرغب فيه بالكتابة أتوجه إليها فورا، ولكن إذا كان هناك تجربة شخصية او حصل موقف او شيء استفزني كحدث مؤثر فلا أحتاج لجو خاص أو لكوب قهوة، فمن الممكن أن أكتب في أي لحظة ما لم يكن هناك من يقطع حبل افكاري.
وتقول الكاتبة والروائية نجلاء فاضل أنه لا يوجد طقوس محددة في الكتابة لا وقت محدد ولا مكان معين، اكتب متى ما وجدت أن ثمة شيء في داخلي يلح عليَ بالخروج فأمسك الورقة والقلم واشرع في عملية ولادته.
حالة تأمُّل
طقوس الكتابة قد تختلف من كاتبٍ إلى آخر نتيجة حالات داخلية حسب رأي الكاتب “محمد المياحي” ويشير إلى أن الكتابة تحدث عندما يصل الكاتب إلى حدودٍ معينة من الانفعال نتيجة حدثٍ ما، ويقول إنه يكتب في أوقات متعددة، خصوصًا عند الشعور بالسكينة والنشوة والحضور والترتيب الداخلي التام، عندها تأتي الرغبة في الكتابة بشكل مفاجئ، إذا يلمح رأس الفكرة فجأة في ذهنه.
الكتابة نوع من الروحانية، قد تصيبني بين الحين والآخر، فحتى الكتابة العقلية لا أستطيع كتابتها إلا في لحظات الصفاء تلك حيث يبدو كل شيء في غاية الوضوح والتركيز حسب “قوله”
ويتابع في حديثه “لنِقاط” إن الكتابة تضاعف عملية الحضور لدي، لكن في البداية لا يمكن الدخول في الكتابة وأنا مشتت أو في حالة قلق، فأنا أكتب دائما في طقوس تركيزٍ عال، ولاسيما عند الفجر حيث تزداد لدي تلك النزعة. إذ أنه متى ما توصلت إلى حالة السمو الداخلي، حالة التأمل والسيطرة على عالمي الداخلي، أصيغ الوجود كما أريد.
الكتابة ملجأ
ومن الممكن أن تصبح الكتابة ملجأً ومهربًا خاصًا للكاتب أو الشاعر على حدٍ سواء، وذلك عندما يضيق به أفُقُ العالم الواسع، وتصيبه نوبات الاكتئاب، وهذا ما يدفعه للتعبير عما يشعر به بطريقةٍ ما، عندها تصبح الكتابة – بكل أشكالها – خير سبيل لذلك.
كما تقول الشاعرة خالدة النسيري: بالنسبة لي، فالكتابة تحدث عندما أصاب بحالة القلق الغريبة عندها أذهب تلقائيا للكتابة، أو عندما أصاب بالحزن فهذا أكثر ما يحفزني للكتابة فأعتبرها ملاذي في ذلك الوقت، أيضًا عندما أقرأ في أي مجال كان أذهب للكتابة.
الواقع والالهام
المؤلف الروائي عبد الحافظ الصمدي يقول “لنِقاط” أنه إذا توفر عدد من القضايا مترامية الأبعاد تحفز الرغبة في الكتابة، إذ توفر القضية والمشاعر القدرة على الكتابة بداية انطلاق الكاتب ليكتب روايته، فالسرد يأخذ إلى التركيز والوصف نحو التأمل حتى تعيش اللحظة وكأنها أمامك لكن الحبكة هي التي تُحبس فيها الأنفاس وتثار فيها الدهشة وعدم التوقع والمفاجأة، فعادة ما يستوحي الكاتب فكرته من الواقع والأحداث التي عهدها فيستعين بالخيال كداعم لتجسيد الفكرة، وإن اختلفت أسماء الشخصيات فهي أسماء مستعارة للضحايا.
ويضيف: بحسب خبرتي أن تكتب كلما جاءت الرغبة، أن تترك النص وتعود له بعد فترات، أيضا من الممكن وأنت تمشي في الشارع أو الحديقة أو قبل النوم، استرجع أحداث الرواية في عقلك، وإذا أردت أن تكتشف أسلوبك الخاص في الكتابة فعليك بممارسة اللعب الحر مع النص قبل أن تبدأ الكتابة الفعلية.
ويقول: إن القراءة تصنع مثقفًا ولكنها لا تخلق كاتبًا، فالمثقفون قرأوا كتبًا كثيرة أكثر من الكُتّاب ولكنهم لم يؤلفوا كتابًا واحدًا.
عالمٌ آخر
الشاعر “بسام السودي” يقول إنه عندما تحضر في رأسه فكرةٌ ما، يذهب للكتابة فلا يحتاج للقهوة ولا للهدوء فكل ما يحتاجه هو ورقة وقلم، مهما كان هناك ضوضاء، فعندما أشرع في كتابة أول حرف، أدخل إلى عالم الكتابة فلا اشعر بأي شيء من حولي كضجيج الشارع أو كلام الناس الذي يتحدثون إلي، وقد يستغرق الأمر دقيقة أو أكثر وهذا يعتمد على جمال الموضوع ونوعيته، فكل موضوع يأخذ وقتًا للانسجام معه، وما بعد الانسجام يكون الهدوء التام بداخل الكاتب ولا يثيره في ذلك الوقت إلا الفكرة.
ويضيف أنه عندما يقوم شخص ما بقطع حبل أفكاري وإخراجي من عالمي الخاص أقوم بدق القلم على الطاولة بدقات متناغمة ومنتظمة من خلالها أستطيع العودة إلى عالم الكتابة.
عادة يومية
ويقول الصحفي “زياد” إن الكتابة لا تأتي إلا بالالتزام الصارم أي الاقبال عليها وممارستها بشكل يومي، دون انتظار وحي يأتيك من هنا أو محفز يأتيك من هناك. ويضيف أن المثابرة والاستمرار في الكتابة هما ما يولدان الفكرة والدافع للكتابة وتشحذ سلاح الالهام والابداع
هنا نجد أن طقوس الكتابة محفزٌ فعّال ودافع قوي للإبداع إذ أنها التي أنتجت لنا العديد من الأعمال الأدبية من قبل كبار الكتاب، إلا أنها قد تكون منزلق خطير نحو تقليد بعض الكتاب بتلك الطقوس التي قد تكون في بعض الأحيان حزينة وسوداوية ومن المتعارف عليه أن حضور السبب لا يضمن النتيجة فلكل إنسان عادات خاصة عند الكتابة وليس من الضرورة أن ينتهج الكاتب أحد الطرق حتى يصبح كاتبًا، ولكن الكتابة هي نتيجة حتمية لوجود ذات مبدعة لها نهج ونظام وعادات.