Image
  • Home
  • تقرير
  • تتميز العمارة اليمنية بحضورها الجمالي… صناعة القمرية.. حرفة عريقة تهددها البدائل العصرية

تتميز العمارة اليمنية بحضورها الجمالي… صناعة القمرية.. حرفة عريقة تهددها البدائل العصرية

من وجهة نظر بنيوية، تعد صناعة القمريّات واحدة من أقدم الحرف التتويجية الموصولة بالعمارة اليمنية، ونقول تتويجيه لصلتها بالمراحل الأخيرة لعمارة كل طابق من طوابق المنزل اليمني.

ومن الناحية الفنية، تعد صناعة القمريات نتاجاً لواحد من أهم أجناس الفنون التشكيلية التجسيدية، المتعلقة بالزخرفة اللونية والجمالية للأجزاء العلوية من كل طابق، قما هي القمرية؟ ولماذا سميت قمرية؟ ومن يصنعها وما وظائفها الجمالية والنفعية؟

تأخذ القمرية اسمها من القمر، فهي عبارة عن نصف دائرة تتكون من الجص والزجاج الملون في أشكال وزخارف متعددة، وتعلو النوافذ في الواجهات الخارجية للمبنى ولها وظائف كثيرة إلى جانب وظيفتها الجمالية وتعطي انطباعًا جميلا للمكان الذي توجد فيه، وهي ترتبط بالثقافة العمرانية والحضارية للشعب اليمني عبر التاريخ.

تراث أصيل

يُرْجِعُ باحثو ومؤرخو العمارة استخدام القمريات في اليمن إلى ما قبل أربعة آلاف سنة وكانت من أهم مميزات الفن المعماري في عهد مملكة سبأ وحمير وغيرها من الممالك التي قامت في اليمن قبل الإسلام، وقد امتدت أهمية استخدامها حتى العصر الحاضر، غير أنها لم تكن بهذا الحضور المعماري في اليمن حضرا وقرى، فقد مرت بعدة مراحل تطورت فيها القمريات وتعددت استخداماتها، ولأنها تمتاز بشكلها الجميل والجذاب وخلفيتها التاريخية، صارت من أهم فنون العمارة التي تميزت بها اليمن في العالم، إذ تجذب السيّاح والمصورين إليها، بالإضافة إلى أنها من أهم الفنون المرتبطة بالعمارة في اليمن.

صناعة القمرية

يتم صناعة القمرية بواسطة حرفيين محليين وبأدوات بسيطة، وتمر بعدة مراحل أولها تجهيز مادة الجص التي يتم استخراجها من الصخور (الأحجار الجيرية) وتوجد في مناطق كثيرة في اليمن، وذلك وفقا لحجم ومساحة مكان القمرية – الذي يكون غالبا عبارة عن عقود حجرية نصف دائرية تتوج بها نوافذ المنزل – ثم مرحلة خلط مادة الجص مع الماء لمدة ربع ساعة، وفي المرحلة الثالثة يتم ترك الجص المخلوط مدة ساعة أو نصف ساعة ليجف ويتماسك لكي يتم النقش عليه تمهيدا لزخرفته بالزجاج الملون وهكذا. بعد أن يتم نحت القمرية ، يتم وضعها في الشارع كي تتعرض للشمس والهواء لمدة يوم أو يومين ثم بعد ذلك تمر بالمرحلة الأخيرة التي يتم فيها تثبيت قطع الزجاج الملونة على مجسم القمرية لتصبح جاهزة، ليتم وضعها في أماكنها من العقود التي تعلو النوافذ والأبواب.

استخدام بدائل

على الرغم من اهتمام اليمنيين بالقمريات كتراث وزينة إلا أنها في السنوات الأخيرة شهدت تراجعا كبيرا في الطلب عليها حيث بدأ الناس يستخدمون الأشكال البديلة للقمريات والتي تتكون من أقواس الألمنيوم بسبب التطور الحديث في الإعمار واستخدام البدائل المعدنية والأشكال الأوربية، وقد باتت هذه البدائل تشكل تهديدا لهذا التراث الجميل حيث يؤكد “فؤاد الفتاح” وهو رئيس تحرير مجلة مشاريع الهندسية والمسؤول الإعلامي في نقابة المهندسين المعماريين اليمنيين إنه في الآونة الأخيرة وبحكم ما طرأ على العمارة اليمنية من الحداثة  فقد تأثر هذا النوع من الفن في أغلب التصاميم الهندسية والمعمارية، وقد تسبب ذلك في خروج النمط المعماري اليمني عن هويته الثقافية والتاريخية وبدأ يتلاشى مع طغيان ما تسمى بالعقود أو القمريات المصنوعة من الألمنيوم، وهذا ما يمكن ملاحظته في مختلف المنشآت المعمارية على مستوى الريف أو الحضر.

ويقول الحرفي “عبدالقادر النوار” صاحب محل قمريات في شارع الزراعة أن إقبال الناس على القمريات التقليدية قد تضاءل بشكل كبير رغم أن أسعار القمريات أقل من غيرها بالإضافة إلا أنها تعطي منظرا جذابا للمنازل أكثر من غيرها كونها تراث منذ ألاف السنين.

استخدامات متعددة

إلى جانب الوظيفة الجمالية للقمريات التي تتوج بها النوافذ، تتمثل أهم وظائفها النفعية في السماح للضوء بالنفاذ إلى داخل الغرف والمجالس والمناظر، وإضفاء بهجة لونية للضوء النافذ من قطع الزجاج الموجودة في تشكيلة القمرية على أشكال مثلثات ومربعات ودوائر متسقة مع بعضها وبانسجام كبير وتوافق فني وبصري وغيرها من السمات التي تجلب الراحة إلى المكان. إذ لا تقتصر وظيفتها على إبهاج الأماكن الداخلية بحضور الضوء الملون داخل الغرف والمكاتب والمجالس، بل تتجاوز ذلك إلى إضفاء أبعاد بصرية ذات قيمة جمالية خارجية للمنزل اليمني قديما وحديثا.

الملف الشخصي للكاتب

محمد مبخوت

Scroll to Top