في الآونة الأخيرة وفي مشهد شبة اعتيادي على أبواب المحلات التجارية وسيارات النقل تُنقل المنتجات الغذائية كالألبان ومنتجاتها وعلب الماء البلاستيكية والخضروات بشكل مكشوف تحت أشعة الشمس الساقطة وذرات الغبار المتطايرة، وبحسب بيانات الهيئة الوطنية لحماية المستهلك فإن ذلك يؤدي إلى تلفها وإفسادها نتيجة التفاعلات الكيميائية التي تودي إلى تغيير خواصها من حيث الطعم والرائحة والمظهر.
تعرض المنتجات الغذائية للضوء وأشعة الشمس يسبب مخاطر عدة منها تدهور حالة المنتج وفقدانه لقيمته الغذائية وفقدان الفيتامينات” مثل فيتامين C وفيتامين B12، وهذا يعود إلى حساسية هذه الفيتامينات للضوء حسب ما أكده د. “ماهر المقطري” أخصائي الكيمياء الحيوية بكلية التربية جامعة صنعاء، ويضيف أن أشعة الشمس تؤثر سلبًا على المواد الغذائية ويعود إلى عدة عوامل، أهمها “التأكسد”
من جانبه يقول الدكتور “جلال فضل” دكتور العلوم الغذائية بقسم التغذية بجامعة آزال “لنقاط” أن الضوء وخاصة ضوء الشمس نوع من أنواع الطاقة وعليه فإن ضوء الشمس يعمل كعامل مؤكسد يؤدي الى أكسدة الفيتامينات وتلفها كما يعمل على أكسدة صبغات اللون المميز للمادة الغذائية، كما أن حرارة الشمس تؤدي إلى زيادة النشاط الميكروبي في حال تواجدها في المادة الغذائية.
أكسدة وفقد
ولعل من أهم الأضرار هو فقدان قابلية التخزين لبعض المواد الغذائية، مثل زبدة الفول السوداني والزبادي، مما يؤدي إلى اختصار مدة صلاحية هذه المنتجات، لذا دائما ما نجد أن الأدوية تعبأ في زجاجات بنية اللون تفاديًا للضوء وهذا يدل على أن الضوء له تأثيرات سيئة على مكونات وصفات الجودة للمواد الغذائية، ودائمًا ما تنصح الجهات المصنعة والمنتجة بحفظ وتخزين الأغذية تحت درجات حرارة منخفضة وبعيد عن أشعة الشمس.
صورة تظهر بعض المواد الغذائية الخفيفة تحت الشمس والعوامل البيئية – شارع الستين – صنعاء بعدسة/ زياد الضيفي
تلف جزئي
الأمر لا يقتصر على أكسدة المواد وفقدانها للقيمة الغذائية بل إن تلف المواد الغذائية متعدد الأوجه، ويشمل التغير في مواصفات المنتج، وينقسم إلى تغيراتٍ كيميائية، أو بيولوجية، أو حسية، وجزءٌ منها يُعد تغيرًا في المواصفات، أو تلفًا للمنتج نفسه، فترك الشوكولاتة عرضة للشمس يؤدي إلى ذوبانها، وهذا لا يُعد تلفًا بل تغيرًا في المواصفات؛ لأنه بالإمكان إعادتها مرة أخرى إلى حالتها الطبيعية من خلال التبريد.
وتوكد د. لبنى هاشم، رئيس قسم المختبر في الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، أن التلف لا يعني أن المنتج غير صالح للاستهلاك، إلا أنه فقد جزءًا من مواصفاته، وتغير شكله” كما في حال ذوبان الآيس كريم، مثل تغير القوام في الزبادي وتحولها الى كتل متفرقعة أو تغير لون الزيت، ويمكن فحصها بالنظر، والتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات، ومن ثم منعها من التسويق إن تبين مخالفتها.
سامة
ترك بعض المنتجات في الشمس يفقدها لونها، ما يعني فقدان المنتج لإحدى صفاته، ولا يحتاج ذلك لفحصٍ مخبري لإثبات عدم مطابقة المواصفات، ويمكن أن يؤدي فقدان اللون إلى إنتاج موادٍ لا تصلح للاستهلاك، وقد يتغير الطعم في حال تخزينه في الرطوبة، وتحوله إلى اللدونة.
وأشارت د. لبنى إلى أن هناك ثمة تغيرات حسية تتصل بالحواس، ويمكن فحصها بالتذوق أو الشم أو الرؤية كاللون والملمس والرائحة والطعم، وتابعت إن المشروبات الغازية والعصائر والألبان إذا تم تخزينها تحت أشعة الشمس ودرجات حرارية غير مناسبة، تتحلل المواد الكيماوية الموجودة فيها مما يودي إلى نمو البكتيريا والأعفان داخل هذه المادة الغذائية وتصبح سامة على المواطن.
مسرطنة
وبحسب دراسة بريطانية نشرت في عام 2012 للدكتور “شيريل كرول” فإن تعرض علب المياه لأشعة الشمس يؤدي إلى تفاعل المادة البلاستيكية مع أشعة الشمس وتنتج مادة “الديوكسين” شديدة الخطورة والتي تظهر بنسبة كبيرة في عينات الانسجة المسببة لسرطان الثدي.
وذكر المقطري أن الأخطر هو “التغيرات الكيميائية” الناجمة عن تحلل مكونات المنتج وتفاعلها وإنتاجها لمواد جديدة، موضحًا: أن تعرّض الزيت إلى درجات حرارة عالية أو لضوء الشمس، يؤدي إلى تأكسده، ما يعني تفاعله مع الأكسجين الموجود في الهواء، أو كسر الأشعة فوق البنفسجية ومصدرها الشمس، القادرة على كسر الروابط في جزيئات الزيت، وهذا يؤدي إلى إنتاج أحماض دهنية، وفي حال تعرضها للشمس تنتج (البروكسايد) والأحماض الدهنية، وهي مواد تعطي طعمًا ورائحة غير مرغوب فيها، ومسرطنة.
بدون تبريد
دائمًا ما نشاهد المواد الغذائية والاستهلاكية التي تحتاج إلى تبريد تنقل في سيارات مكشوفة ولا تحتوي على مكيفات التبريد مثل الألبان ومشتقاتها والأدوية، ولا يقتصر الأمر على النقل داخل العاصمة فقط بل في بعض الأحيان يكون بين مدينة وأخرى أي أنها تتعرض لأشعة الشمس لساعات طويلة جدًا تصل إلى أكثر من سبع ساعات.
كما أن النقل المكشوف في بعض الأحيان يشمل عملية نقل المخبوزات من الأفران إلى البقالات والمطاعم بدون عملية التغليف والتغطية.
ويقول المواطن “لطف أحمد” مالك سيارة نقل أنه في بعض الأحيان تكون لديه رسائل من صنعاء إلى إب وتعز وعدن وهذه الرسائل تحتوي على أدوية يتم نقلها بطريقة عشوائية وفي ظروف صحية غير ملائمة ودرجة حرارة مرتفعة، وتبقى هذه الرسائل داخل السيارة لساعات طويلة دون الاهتمام بالتغيرات التي قد تحدث لها.
وفي ذات السياق نصحت الدكتورة “سُهى السراجي” المواطنين بعدم شراء المواد الغذائية والمعلبات المعرضة للشمس لأنها في أغلب الأحيان تكون فاسدة بسبب تغيير احدى الخواص الكيميائية فيها، مشيرًا أن هذه التجاوزات مستمرة بشكل يومي بالرغم من تحذيرات الجهات المختصة والرقابة على الأسواق والمحلات.
بدون فائدة
وبحسب الهيئة الوطنية للمواصفات والمقاييس وضبظ الجودة فإن الهيئة تقوم بجولات روتينية يومية على الأسواق والمحلات التجارية ويتم إعطائها تنبيهات وإخطارات بعدم تخزين هذه المواد بهذه الظروف غير الصحية، ومن ثم إعادة الكشف مرة ثانية على المكان وفي حال استمراره بعملية التخزين بهذه الظروف يتم تحويله إلى القضاء وكذلك اخذ عينة من هذه المواد وإجراء فحوصات الجودة للتأكد من مدى سلامتها وصحتها.
بالرغم من الحملات الرقابية اليومية التي تنفذها الهيئة الوطنية ووزارة الصحة إلا أن هذه التصرفات ما زالت مستمرة وبشكل كبير ويرجع هذا الأمر إلى غياب الوعي الصحي بخطورة هذه الظاهرة لدى التاجر والمستهلك في المقام الأول، ويرى “د. عبد الرحمن شمسان” دكتور القانون التجاري والاقتصادي بكلية الشريعة أن هذه الظاهرة لن تنتهي إلا بوجود قانون قوي وصارم يعاقب المتسببين والتجار المخالفين للائحة الاشتراطات الصحية الخاصة بالنقل والتخزين ويؤكد ان هناك قصورًا في القانون اليمني رقم 38 لعام 1992 بشأن الرقابة على المنتجات الغذائية، حيث لا توجد مادة تجرم النقل في الظروف الصحية غير الملائمة وخاصة تعرضها لأشعة الشمس.
الملف الشخصي للكاتب
- كاتب وصحفي - خريج كلية الإعلام
آخر مقالاته
- تقريريوليو 14, 2024الشضوية… وجبة اليمنيين الربيعية
- آراء وتحليلاتيوليو 14, 2024ترشح للعديد من الجوائز العربية “سطل” وإعادة الحياة لمباني صنعاء
- تقريريوليو 14, 2024بسبب النقل والتخزين الرديء أشعة الشمس تسرق غذاء اليمنيين
- تحقيقيوليو 14, 2024بضائع وهمية وخسائر حقيقية.. البحث عن الصفقات الرابحة في مصيدة الاحتيال الإلكتروني